لقاهرة- تفاصيل كثيرة تتعلق بتعامل النظام المصري مع الملايين

القاهرة- تفاصيل كثيرة تتعلق بتعامل النظام المصري مع الملايين من شعبه الغاضب والمطالب برحيل الرئيس حسني مبارك لا زالت خافية حتى الآن.. والمفارقة أن الصحف الرسمية هي التي تكشفها في الوقت الراهن بعد أن حدث تحول واضح في موقفها فرضه استمرار ثورة المصريين ضد النظام لدرجة أن المحطات التليفزيونية الرسمية صارت تعرض بشكل صريح في الأيام القليلة الماضية المطالبات لمبارك بالرحيل.

كما تغيرت مفردات العديد من الصحف الرسمية وعلى رأسها صحيفة الأهرام كبرى الصحف القومية والتي بدأت تصف احتجاج مئات الآلاف من المصريين ب"الثورة" وتعرض لوجهة النظر التي تطالب الرئيس المصري بالتنحي عن منصبه وترك صلاحياته لنائبه عمر سليمان.

وفي إطار الكشف عن تفاصيل تعامل النظام مع المحتجين انفردت صحيفة الأخبار الحكومية الاثنين 7-2-2011 بالتحدث عن الدور الذي لعبه أحمد عز الأمين السابق للتنظيم في الحزب الوطني الحاكم ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وهو دور يشبه إلى حد كبير ذات الدور الذي لعبه الممثلان المصريان محمود البزاوي وماجد الكدواني في فيلم "الرجل الأبيض المتوسط" حيث كان يشخصان دور اثنين من "البلطجية" كانا يطلق عليهما "المر بزيادة" و"العربي سيطرة".

وكانت هاتان الشخصيتان تطاردان في الفيلم مواطنا مطحونا (أحمد آدم) يلف دون جدوى على المصالح الحكومية لعرض اختراع له ورجل أعمال شريف (عزت أبو عوف) تعرض للنهب والاحتيال من فاسدين نافذين!.

"العادلي سيطرة"

وتحت عنوان "كواليس ما جرى داخل الحكومة والحزب الوطني(الحاكم) منذ 25 يناير وحتى جمعة الغضب" في 28 يناير، تحدثت صحيفة "الأخبار" عن التأكيدات التي كان يطلقها حبيب العادلي باستمرار خلال هذه الفترة لكل من يسأله من كبار المسؤولين عن حجم مظاهرات الغضب، بأن "الأمور تحت السيطرة" الأمنية، في ظل غياب تام للحكومة المقالة برئاسة أحمد نظيف التي كانت بعيدة تماما عن الأحداث منذ مساء الإثنين 24 يناير وحتى إقالتها يوم الجمعة 28 يناير، حيث لم يحدث أي اتصال بين نظيف والعادلي في تالك الفترة، بحسب الأخبار.

وفي التفاصيل، وتحديدا يوم الإثنين 24 يناير، أي قبل بدء الانتفاضة الشعبية بيوم واحد، قدم العادلي تقريرا للحزب الوطني يتوقع فيه أن مظاهرات "ثلاثاء الغضب" ستمر مثل باقي التظاهرات مؤكدا مجددا على أن "الأمور تحت السيطرة التامة"!.

ومع اشتداد حدة المظاهرات في الأيام التالية وتوقعات الداخلية نفسها بأن تكون "جمعة الغضب" صعبة ومزعجة وأكثر حدة من مظاهرات الثلاثاء، عاد "العادلي سيطرة" أو وزير الداخلية حبيب العادلي ليؤكد مجددا لأعضاء الحزب الوطني على أن مظاهرات الجمعة ستكون تحت "سيطرة الأمن".

وفي هذا اليوم – 28 يناير - قتل أكثر من 300 متظاهر وأصيب المئات على يد قوات الأمن التي استخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين في ميدان التحرير بوسط القاهرة ومدن ومحافظات أخرى.

وفي بداية مساء ذلك اليوم، انسحبت فجأة أفراد الأمن والشرطة بسبب أوامر قيل أنها صدرت من القيادة العليا بوزارة الداخلية، مما أدى لحدوث عمليات نهب واسعة وإضرام النار في مقر الحزب الحاكم بالقاهرة ومحافظات أخرى وعدد من مراكز الشرطة.

وفي معرض تفسيرها لقرار قيادة الداخلية بانسحاب قوات الأمن من المواجهات مع المتظاهرين، نسبت مصادر صحفية رسمية مصرية للعادلي تصريحات قال فيها لمبارك ردا على قراره بنزول الجيش لمساعدة الشرطة في ضبط الأوضاع، "خلاص حنسيبها للجيش"، وهو ما أدى لحدوث حالة انهيار أمني وغياب تام لدور الشرطة غير مسبوق في تاريخ مصر، لدرجة أن وصفه كتاب بأنه "نكسة 1967" للشرطة.

وأقيل وزير الداخلية من منصبه في اليوم نفسه (الجمعة) وهو قيد الإقامة الجبرية الآن، ويتم التحقيق معه في تهم تتعلق بالتورط في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية الذي راح ضحيته 24 قتيلاً ليلة رأس السنة الميلادية.

عز.."المر بزيادة".. محرك البلطجية

وقبل أحداث جمعة الغضب، اقترح بعض أعضاء الحزب الوطني تسيير مظاهرات مضادة لمظاهرات الجمعة وتكون مؤيدة للحزب الوطني ومبارك، وقيل إن صاحب هذا الاقتراح هو رجل الأعمال وقطب الحزب الحاكم أحمد عز، "لما يملكه من مقدرة على حشد الجماهير"، أو بمعنى أدق لقدرته المعروفة على حشد البلطجية والمرتزقة في الانتخابات ل"تقفيل" مراكز الاقتراع لصالح مرشحي الحزب الوطني الحاكم، كما فعل في انتخابات نوفمبر التشريعية التي فاز فيها الحزب الحاكم بنسبة 97% من مقاعد البرلمان، وبعدها بأقل من شهرين، أحرق الشعب مقرات الحزب الحاكم في معظم المدن، بما فيها المقر الرئيسي القريب من ميدان التحرير في القاهرة، والذي كان قد أنفق عليه عز منذ فترة قريبة الملايين من أجل إعادة تأثيثه بأثاث فاخر لا يقل عن أثاث فنادق السبعة نجوم!.

غير أنه، وبعد أن أخذ الحزب الوطني موافقة وزارة الداخلية على تنظيم تلك المظاهرات تراجع وزير الداخلية وسحب موافقته بحجة أنها سوف تشتت جهد الأمن بين السيطرة على مظاهرات الغاضبين من جهة وبين تأمين الأمن للمسيرات المؤيدة لمبارك.

ويتضح من تلك الرواية الخاصة باقتراح عز تسسير مظاهرات مضادة يوم 28 يناير أن أحمد عز هو الذي قام بحشد وتسيير المظاهرات المؤيدة للحزب الوطني يومي الأربعاء والخميس الماضيين (2 و3 فبراير) والذي شهد اعتداءات دامية من جانب بلطجية من أنصار النظام ضد المعتصمين في ميدان التحرير أسقطت 10 قتلى وإصابة المئات بجروح، بحسب تلميح الصحيفة الرسمية.



أكبر الفاسدين

وبعد أن تمت إقالة عز من قيادة الحزب الحاكم، في محاولة واضحة لامتصاص الغضب الشعبي، خاصة أنه من أكثر الشخصيات التي تلقى نفورا من المصريين، تجري حاليا نيابة الأموال العامة العليا في مصر بالتحقيق مع أحمد عز وثلاثة وزراء سابقين لمواجهتهم ببلاغات تتهمهم بالتعدي على أملاك الدولة والتربح والاستيلاء على المال العام. ويقدر ما استولى عليه عز من أموال الدولة حتى الآن بنحو 60 مليار جنيه (10 مليار دولار)، بحسب الصحيفة الرسمية المصرية.

ويعرف عن عز أنه كان من أقرب المقربين لجمال مبارك في الفترة الأخيرة وكان موضع ثقته التام.

ويأتي انفراد صحيفة الأخبار بنشر المعلومات الخاصة بما وراء الكواليس للحكومة والحزب الوطني وأقطابهم ليظهر تحولا واضحا من جانب الصحف والإعلام الرسمي المصري بشكل عام في التعامل مع "ثورة النيل".

ففي كبريات الصحف القومية مثل الأخبار والأهرام وحتى مجلة آخر ساعة التابعة ل"أخبار اليوم" وأيضا التليفزيون الرسمي المصري، لم يعد الحديث عن رحيل مبارك أمرا محظورا حيث بدأت تعرض تلك الوسائل الإعلامية -التي طالما ساندت النظام ونقل ما يسمح به فقط -وجهات النظر التي تطالب بتنحي مبارك عن السلطة.

ولا زال لليوم مئات الآلاف من المعتصمين مرابطين في ميدان التحرير بوسط القاهرة مصرين على تنحي مبارك ويشهد الثلاثاء والجمعة تظاهرات مليونية في الميدان للتأكيد على هذه المطالب.