Admin Admin
عدد المساهمات : 63 تاريخ التسجيل : 09/04/2010
| موضوع: القصيدة الكاملة رائعة د.ابراهيم ناجي الجمعة مارس 25, 2011 3:09 am | |
| يا فؤادي رَحِمَ اللهُ الهوى كان صَرْحاً من خَيالٍ فهَوى
اسْقِني و اشرَبْ على أطلالهِ وارْوِ عنّي طالما الدَّمعُ رَوى
كيفَ ذاكَ الحُبُّ أمسى خَبَراً و حديثاً من أحاديثِ الجَوَى
وبِساطاً من نَدامى حُلُم هُمْ تَوارَوا أبداً و هو انْطَوى
يا رياحاً ليسَ يَهْدا عَصْفُها نَضَبَ الزَّيتُ ومِصباحي انطَفا
و أنا أَقْتاتُ من وَهْمٍ عَفا و أَفي العمرَ لِناسٍ ما وَفى
كم تَقَلَّبْتُ على خِنْجَرِهِ لا الهوى مالَ و لا الجَفْنُ غَفا
و إذا القلبُ على غُفْرانهِ كلّما غارَ بهِ النَّصْلُ عَفا
يا غَراماً كان منّي في دمي قَدَراً كالموتِ أو في طَعْمِهِ
ما قَضَيْنا ساعةً في عُرْسِهِ و قضينا العمرَ في مَأْتَمِهِ
ما انتزاعي دَمْعةً من عيْنِهِ و اغْتِصابي بسمةً من فمِهِ
ليتَ شِعري أين منهُ مَهْرَبي أينَ يَمْضي هارِبٌ من دَمِهِ
لستُ أنْساكِ و قد أَغْرَيْتِني بفَمٍ عذْبِ المُناداةِ رَقيقْ
و يدٍ تمْتَدُّ نَحوي كيَدٍ من خلال المَوجِ مُدَّتْ لغريقْ
آهِ يا قِبْلَةَ أقدامي إذا شَكَتِ الأقدامُ أشواكَ الطَّريقْ
و بريقاً يَظْمأُ السَّاري لهُ أين في عينيكِ ذَيَّاكَ البريق
لستُ أنساكِ و قد أغرَيْتِني بالذُّرى الشُّمِّ فأدْمَنْتُ الطُّموحْ
أنتِ روحٌ في سمائي و أنا لكِ أَعْلو فكأني مَحْضُ روحْ
يا لها من قِمَمٍ كنَّا بها نَتَلاقى و بِسِرَّيْنا نَبوحْ
نَسْتَشِِفُّ الغيبَ من أَبْراجِها ونرى الناسَ ظِلالاً في السُّفوح
أنتِ حُسْنٌ في ضُحاه لم يزلْ و أنا عِندِي أَحْزانُ الطَّفَلْ
و بَقايا الظِّلِّ من رَكبٍ رَحَل و خُيوطُ النّور من نجمٍ أَفَل
أَلْمَحُ الدّنيا بِعَيْنَيْ سَئِمٍ و أرى حَوليَ أشْباحَ المَلَلْ
راقِصاتٍ فوقَ أَشْلاءِ الهوى مُعْوِلاتٍ فوق أجْداثِ الأمل
ذَهَبَ العمرُ هباءً فاذهبي لم يكن وَعْدُكِ إلاّ شَبَحاً
صَفْحَةٌ قد ذهبَ الدّهرُ بها أَثْبَتَ الحُبَّ عليها ومَحا
أُنظُري ضِحْكي ورَقْصي فَرَحاً و أنا أحْمِلُ قلباً ذُبِحا
و يراني الناسُ روحاً طائراً و الجَوى يَطْحَنُني طَحْنَ الرَّحى
كنتَ تِمْثالَ خيالي فَهَوى المَقاديرُ أَرادَتْ لا يَدِي
وَيْحها لم تَدْرِ ماذا حَطَمَتْ حطمت تاجي و هَدَّتْ مَعْبَدي
يا حياةَ اليائسِ المُنْفَرِدِ يا يَباباً ما بِه من أَحَدِ
يا قِفاراً لافِحاتٍ ما بها من نَجِيٍّ .. يا سُكونَ الأَبَدِ أينَ من عَيني حَبيبٌ ساهِرٌ فيهِ نُبْلٌ و جمالٌ و حياءْ
واثِقُ الخُطْوَةِ يمشي مَلَكاً ظالِمُ الحُسْنِ شَهِيُّ الكِبرياء
عَبِقُ السِّحرِ كأنفاسِ الرُّبى ساهِمُ الطّرف كأحْلامِ المَساءْ
مُشرِقُ الطَّلْعَةِ ، في مَنْطِقِهِ لغةُ النُّور و تَعْبيرُ السّماء
أين منّي مَجْلسٌ أنتَ به فتْنَةٌ تمَّتْ سَناءً و سَنَى
و أنا حُبٌّ و قلبٌ و دمٌ و فَراشٌ حائرٌ منكَ دَنا
ومن الشّوقِ رَسولٌ بيننا و نَديمٌ قَدّمَ الكأسَ لنا
و سَقانا فانْتَفَضْنا لَحظةً لِغُبارٍ آدَميٍّ مسّنا!
قد عرَفنا صَوْلَةَ الجسم التي تَحْكُمُ الحيَّ و تَطْغى في دِماهْ
و سَمِعْنا صَرخةً في رَعدِها سَوطُ جلاّدٍ و تعذيبُ إلهْ
أَمَرَتْنا فعصينا أمرها و أبَيْنا الذُّلَّ أن يَغشى الجِباهْ
حَكَمَ الطّاغي فكُنّا في العصاهْ و طُرِدنا خلفَ أسوارِ الحياه
يا لَمَنفِيَّينِ ضَلاّ في الوُعورْ دَمِيا بالشّوكِ فيها و الصّخورْ
كلّما تَقْسو اللّيالي عَرَفا رَوعةَ الآلام في المَنفى الطَََّهورْ
طُرِدا من ذلك الحُلْمِ الكبير لِلحُظوظِ السُّودِ واللّيلِ الضَّرير
يَقْبِسانِ النّور من روحيْهِما كلما قد ضَنَّتِ الدّنيا بنورْ
أنت قد صَيَّرت أمري عجَبا كَثُرَتْ حوليَ أطيارُ الرّبى
فإذا قلتُ لقلبي ساعةً قُمْ نُغَردْ لِسوَى لَيلَى أَبى
حُجُبٌ تأبى لعَيْني مَأْرَباً غيرَ عينيكِ و لا مُطَّلبا
أنت من أسْدَلها ، لا تَدَّعي أنّني أَسْدَلْتُ هذي الحُجُبا
و لَكَمْ صاح بِيَ اليأسُ انتَزِعْها فيَرُدُّ القَدَرُ السّاخِرُ: دعها
يا لها من لحْظَةٍ عَمْياءَ لو أنّني أُبْصِرُ شَيئاً لم أُطِعْها
و ليَ الوَيْلُ إذا لَبَّيْتُها و لي الويلُ إذا لم أَتَّبِعْها
قد حَنَتْ رَأْسي و لو كلُّ القُوى تَشْتَري عِزَّةَ نفسي لم أبِعْها
يا حبيباً زُرْتُ يوماً أيْكَهُ طائرَ الشّوقِ أُغنّي ألَمي
لكَ إبْطاءُ المُدِلِّ المُنْعِمِ و تَجَنّي القادر المُحْتَكِمِ
و حنيني لك يكوي أعْظُمي و الثَّواني جَمَراتٌ في دَمي
و أنا مُرْتَقِبٌ في مَوضِعي مُرْهِفُ السَّمْعِ لِوَقْعِ القَدَمِ
قَدَمٌ تَخْطو و قلبي مُشْبِهٌ مَوجَةً تَخْطو إلى شاطِئها
أيّها الظالم باللهِ إلى كَمْ أَسْفَحُ الدَّمْعَ على مَوْطِئها
رحْمَةٌ أنت فهل من رحمةٍ لغَريب الرّوح أو ظامِئها
يا شِفاءَ الرُّوحِ روحي تَشْتكي ظُلْمَ آسيها إلى بارِئها
أَعْطِني حُرِّيَتي أَطْلِقْ يَدَيْ إنّني أَعْطَيْتُ ما اسْتَبْقَيْتُ شَيْ
آهِ من قَيْدِكَ أدْمى مِعْصَمي لِمَ أُبْقِيهِ و ما أبْقى عَلَيْ؟
ما احْتِفاظي بعهودٍ لم تَصُنْها و إلامَ الأسْرُ و الدّنيا لدَيْ
ها أنا جَفَّتْ دموعي فاعْفُ عنها إنّها قَبْلكَ لم تُبْذَلْ لِحَيْ
و هَبِ الطائرَ عن عُشّكَ طارا جَفَّتِ الغُدْرانُ و الثلجُ أَغارا
هذِهِ الدنيا قلوبٌ جَمَدَتْ خَبَتِ الشُّعلةُ و الجَمْرُ تَوارى
و إذا ما قَبَسَ القلب غَدا من رَمادٍ لا تَسَلْهُ كيفَ صارا
لا تَسَلْ و اذكر عَذابَ المُصْطَلي و هو يذْكيهِ فلا يَقْبِسُ نارا
لا رَعى اللهُ مَساءً قاسِياً قَد أراني كُلَّ أحلامي سُدى
و أراني قلبَ من أَعْبُدُهُ ساخراً من مَدْمَعي سُخْرَ العِدا
ليتَ شِعري أيُّ أحْداثٍ جَرتْ أنزلَتْ روحَكَ سِجناً مُوصَدا
صَدِئَتْ روحُكَ في غَيْهَبِها و كذا الأرواحُ يعلوها الصَّدا
قد رأيتُ الكونَ قبْراً ضَيِّقاً خَيَّم اليأسُ عليهِ و السُّكوتْ
و رأَتْ عيني أكاذيبَ الهوى واهِياتٍ كخُيوطِ العَنْكَبوتْ
كنتَ تَرْثي لي و تَدْري ألَمِي لو رَثى للدّمعِ تِمْثالٌ صَمُوتْ
عند أقْدامِكَ دنيا تَنْتَهي و على بابكَ آمالٌ تَموتْ
كنتَ تَدْعونيَ طِفْلاً كلّما ثارَ حُبّي و تَنَدَّتْ مُقَلي
و لكَ الحقُّ ، لقد عاشَ الهوى فيَّ طِفْلاً و نَما لم يَعْقِلِ
و رَأى الطَّعْنَةَ إذ صَوَّبْتَها فمَشتْ مَجْنونَةً لِلمَقْتَلِ
رَمَتِ الطّفلَ فأدْمَتْ قَلْبَهُ و أصابَتْ كِبْرِياءَ الرّجُلِ
قُلتُ للنّفس و قد جُزْنا الوَصيدا عَجِّلي لا يَنْفع الحَزْمُ وَئيدا
و دَعي الهَيْكَلَ شَبَّتْ نارُهُ تأكُلُ الرُّكَّعَ فيه و السُّجودا
يَتَمَنَّى لي وفائي عَودَةً و الهوى المَجْروحُ يأْبى أن يَعودا
ليَ نَحْوَ اللَّهَبِ الذّاكي بهِ لَفْتَةُ العودِ إذا صارَ وَقودا
لستُ أَنْســى أبداً ساعَةً في العُمُـــرِ
تَحتَ ريحٍ صَفَّقَـــتْ لارْتِقـــــاصِ المــطرِ
نوَّحَـــتْ لِلـــذِّكَرِ و شَكــت للقــمرِ
و إذا ما طَـــرِبَتْ عَرْبَدَتْ في الشَّــــجَرِ
هاكَ ما قد صَبَّتِ الرّيحُ بأُذْنِ الشّاعرِ وهي تُغْري القلبَ إغْراءَ النَّصيحِ الفاجِرِ
أيّها الشّــاعِرُ تَغْفو تَذْكُرُ العَهْدَ و تَصْحو
وإذا ما الْتَــامَ جرْحٌ جَدَّ بالتَّــذْكارِ جُرْحُ
فتَعَلَّمْ كيـفَ تَنْسى و تعلَّم كيف تَمْحو
أَوَ كُلُّ الحــبِّ في رَأْ يِكَ غُفْــرانٌ و صَفْحُ؟
هاكَ فانْظُرْ عَدَدَ الْـ ـرَّمْلِ قُلوباً و نِساءْ
فَتَخَيَّرْ ما تَشــاءْ ذَهَبَ العُمْــرُ هَباءْ
ضَلَّ في الأرض الذي يُنْـ ـشِدُ أبْنــاءَ السَّماء
أيُّ روحانِيَّــة تُعْـ ـصَرُ من طينٍ و ماءْ
أيّها الرّيح أَجَلْ لكِنَّما هيَ حُبّي و تَعِلاّتي و يَأْسي
هيَ في الغَيْبِ لقَلْبي خُلِقَتْ شْرَقَتْ لي قبلَ أن تُشْرِقَ شمسي
و على مَوْعِدِها أَطْبَقْتُ عيني وعلى تَذْكارِها وسَّدْتُ رأسي
جُنَّتِ الرّيح و نادَتْـ ـهُ شَياطينُ الظّلامْ
أَخِتاماً كيفَ يَحْلو لكَ في البَدْءِ الخِتــامْ؟
يا جَريحاً أسْلَمَ الجُرْ حَ حَبيبـــاً نَكَأهْ
هو لا يَبْكي إذا النَّـ ـاعي بهذا نبَّأهْ
أيّها الجَبَّارُ هَل تَصْرَ عُ من أجْلِ امرأهْ؟
يا لها من صَيْحَةٍ ما بَعَثَتْ عندهُ غيرَ أليمِ الذِّكَرِ
أرِقَتْ في جَنْبهِ فاستَيْقَظَتْ كبقايا خِنْجَرٍ مُنْكَسِرِ
لَمَعَ النَّهْرُ و ناداهُ لَهُ فَمَضى مُنْحَدِراً للنّهَر
ناضِبَ الزَّادِ و ما من سَفَرٍ دونَ زادٍ غيرَ هذا السَّفرِ
يا حبيبي كلُّ شيءٍ بقَضاءْ ما بأَيدِينا خُلِقنا تُعَساءْ
رُبَّما تَجْمَعُنا أقْدارُنا ذاتَ يومٍ بعْدما عَزَّ اللِّقاءْ
فإذا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ وتلاقَيْنا لِقاءَ الغُرَباءْ
و مضَى كُلٌّ إلى غايَتِهِ لا تَقُلْ شِئْنا ،و قلْ لي الحَظُّ شاءْ
يا مُغَنِّي الخُلْدِ ضَيَّعْتَ العُمُرْ في أناشيدَ تُغَنَّى للْبَشَرْ
ليس في الأَحْياءِ من يَسْمَعُنا ما لنا لَسْنا نُغَنّي للحَجرْ
للجَماداتِ التي ليسَتْ تَعي والرَّميماتِ البَوالي في الحُفَر
غَنِّها سوف تَراها انْتَفَضَتْ تَرْحَمُ الشّادي و تَبْكي للوَتَر
يا نِداءً كلما أَرْسَلتُهُ رُدَّ مَقْهوراً و بالحظِّ ارتَطَمْ
و هُتافاً من أَغاريدِ المُنى عادَ لي و هو نُواحٌ و نَدَمْ
رُبَّ تِمْثالِ جَمالٍ و سَنا لاحَ لي و العيشُ شَجْوٌ و ظُلَمْ
إرْتَمى اللّحنُ عليه جاثِياً ليسَ يَدْري أنَّهُ حُسْنٌ أَصَمْ
هَدَأ الليل و لا قلبَ لهُ أيّها السّاهِرُ يَدري حَيْرَتَكْ
أيّها الشّاعِرُ خُذْ قيثارَتكْ غَنِّ أشْجانَك و اسكُبْ دَمعتَكْ
رُبَّ لَحنٍ رَقَصَ النّجْمُ لهُ و غَزا السُّحبَ و بالنّجْمِ فَتَكْ
غَنِّهِ حتى ترى سِتْرَ الدُّجى طَلَعَ الفجرُ عليه فانْهَتَكْ
و إذا ما زَهَراتٌ ذُعِرَتْ و رأيتَ الرُّعْبَ يَغشى قلبَها
فتَرَفَّقْ و اتَّئِدْ و اعزِفْ لها من رقيقِ اللّحْنِ و امْسَحْ رُعْبَها
رُبّما نامتْ على مَهدِ الأسى وبَكَتْ مُسْتَصْرِخاتٍ رَبّها
أيّها الشّاعرُ كم من زَهرةٍ عوقِبَتْ لم تَدْرِ يوماً ذنْبها | |
|